كثيرًا ما يؤكد أصحاب رؤوسا لأموال الجريئة على أهمية الاستثمار في المؤسسين الواعدين، وأن أهم عامل يحدد قراراتهم الاستثمارية، لا سيما في المراحل المبكرة (من مرحلة التأسيس إلى السلسلة أ)، هو كفاءة المؤسسين ونقاط قوتهم التنافسية؛ ولكن ما الذي يميز المؤسسين في نظرهم؟ ما هي سمات "المؤسس الواعد" في أسواقنا؟
اخترنا عينة تضم أبرز 100شركة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا وباكستان، وذلك استنادًا إلى حجم التخارج و/أو إجمالي رأس المال الذي تم جمعه على مدار العقد الماضي. وبالرغم من أن هذه المقاييس ليست معيارًا مطلقاً للنجاح (لا سيما إجمالي رأس المال المُجمع)، إلا أنها تقدم صورة إرشادية مفيدة لمسار النجاح المُحتمل، خاصة وأن نماذج عمليات التخارج الناجحة في المنطقة لا تزال محدودًا نسبيًا.
أجرينا بعد ذلك تحليلاً دقيقًا للمؤسسين في كل شركة من هذه الشركات المائة، واستخلصنا من بياناتهم العامة المتاحة ما يمكن اعتباره عوامل نجاح رئيسية في مسيرتهم. فيما يلي العوامل والسمات التي استعرضناها:
• المؤهلات التعليمية/الأكاديمية
• عدد سنوات الخبرة العملية في وقت تأسيس الشركة الناشئة
• القطاع بناءً على الخبرة العملية السابقة
• الخبرات السابقة في أماكن العمل/الشركات
• الخبرات السابقة في مجال تأسيس الشركات الناشئة
وبناءً على العينة التي خضعت للدراسة، استخلصنا السمات المشتركة التالية بين المؤسسين:
• يتمتع 72% من المؤسسين بخبرة سابقة فيعالم الشركات الناشئة، أو سبق لهم خوض غمار تأسيس شركة.
• التحق 59% منهم بجامعات مرموقة، (سواء في مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا). ويُقصد بالجامعات المرموقة هنا الجامعات المصنفة ضمن أفضل 250 جامعة عالميًا.
• يتمتع 75% منهم بخبرة عملية تتجاوز خمس سنوات، كما أن 45% منهم يمتلكون خبرة تزيد على 10 سنوات عند تأسيس الشركة.
فيما يلي أبرز الجامعات التي يمثل المؤسسون الذين التحقوا بها ما يقارب 20% من العينة:
• الجامعة الأمريكية بالقاهرة
• جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
• جامعة كولومبيا
• جامعة ستانفورد
• إنسياد
فيما يلي أماكن العمل السابقة التي عمل بها حوالي 7% من المؤسسين المشمولين في العينة، وهما:
• شركة كريم
• شركة ماكنزي
تجدر الإشارة إلى أن هذا العامل اتسم بالتشتت الواضح، حيث لم تبرز أي شركة أو مجموعة شركات تستأثر بنسبة كبيرة من المؤسسين المشمولين في العينة.
تتركز الخبرات العملية السابقة بشكل رئيسي في قطاعات محددة، تشكل مجتمعةً ما يقارب 62% من إجمالي الخبرات المكتسبة، وتأتي على النحو التالي:
• التقنية (سواء كانت شركات ناشئة أم عملاقة مثل ميتا، وجوجل، ومايكروسوفت وغيرها)
• التمويل (خاصة تمويل الشركات والخدمات المصرفية الاستثمارية وغيرها)
في ضوء ما سبق، نخلص إلى أنا لمؤسسين الذين حققوا نجاحًا باهرًا في المنطقة على مدار العقد الماضي يتشاركون في سمات وخصائص محددة، نذكر منها ما يلي:
• الخبرة المتميزة في مجال الشركات الناشئة،مع التركيز بشكل خاص على تأسيس الشركات
• الالتحاق بجامعة ذات مكانة عالمية مرموقة،(رغم إدراكنا أن هذا المعيار يمكن أن يكون غير موضوعي)
• مهنيون متمرسون في أوج عطائهم المهني،يحملون في جعبتهم أكثر من عقد من الزمان من الخبرة العملية
• الخبرة واسعة النطاق في قطاع التقنية و/أو مجال تمويل الشركات
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه ينبغي الحذر من الاعتماد على ما سبق لاستشراف نجاح المؤسسين في المستقبل،فهناك العديد من الأمثلة التي تؤيد عكس هذا الاتجاه. ومع ذلك، فإنني أعتبر هذه السمات أداة قيّمة لاستهلال التفكير في العوامل التي أسهمت في تحقيق النجاح السابق،وللتبصر في الأسباب التي تجعل هذه العوامل ذات أهمية. فعلى سبيل المثال، قد لايكمن جوهر نفع التعليم في ذاته، بل يتجلى أثره في تمهيد السبيل للوصول إلى شبكات عالمية تسهم بدورها في تعزيز نجاح الشركات الناشئة.
بالرغم مما تقدم ذكره من معايير تحدد صورة المؤسس "الناجح"، إلا أن هناك جوانب أخرى أكثر خصوصية ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار.
من ناحية المنظور النوعي، وهو أمرٌ يعتمد على التقييم الذاتي إلى حدٍ بعيد، لاحظتُ أنَّ السمات التي يتقاسمها المؤسسون الأكثر نجاحًا هي:
• البصيرة الثاقبة: القدرة على تحديد المشكلة بوضوح وبيان مدى فعالية الحل المقترح في معالجة التحدي القائم. ومن أبرز الأمثلة على ذلك: حسام عرب الرئيس التنفيذي لشركة "تابي". غالبًا ما نشهد مؤسسون يمتلكون حلولاً مبتكرة ومنتجات متميزة، ولكن لديهم مشكلات غير واضحة المعالم، وهذا يدل على القصور في فهم السوق وتحدياتها الجوهرية، و/أو القدرات الداخلية اللازمة لتحقيق الأهداف المنشودة.
• الفرق المتعددة من المؤسسين: من ناحية، يُفضل وجود فرق متعددة من المؤسسين يتمتعون بمجموعة متكاملة من المهارات والخبرات في مختلف التخصصات (مثل:المؤسسون الفنيون والمؤسسون التجاريون). ومن أبرز الأمثلة على ذلك: أنس بومدين ومهدي الودغيري في "منصة ايوا". ومن ناحية أخرى، فإن أحد أكثر أسباب فشل الشركات الناشئة شيوعًا هو الخلافات والصراعات الداخلية بين المؤسسين وأعضاء الفريق، فقد يؤدي تعدد المؤسسين إلى احتمالية نشوب الصراعات الداخلية مقارنةً بالشركات ذات المؤسس الواحد.
• الثقة: يتمتع المؤسسون الناجحون بثقة لا تتزعزع في قدراتهم الشخصية وفي قدرات فريقهم على تحقيق الأهداف المنشودة والرؤية المعلنة،فضلًا عن إيمانهم الراسخ بقدرة حلولهم المقترحة على صنع الفارق. ومن أبرز الأمثلةعلى ذلك: جاد أنتون في شركة Huspy. يواجه المؤسسون وابلاً من الانتقادات من مختلفأصحاب المصلحة، بما في ذلك العملاء والمستثمرين وأعضاء الفريق وغيرهم. ومن أهممقومات النجاح القدرة على اختراق صخب الحياة وضجيجها، والتشبث بالأهداف والغاياتالمنشودة والمضي نحوها بخطى ثابتة لا تعرف التراجع.
• القدرة على تغيير المسار: لا شك أن الثقة من أهم سمات المؤسس الواعد كما ذكرنا أعلاه، إلا أن الحد الفاصل بين الثقة بالنفس والإيمان بالذات وبين التفكيرِ الوهميّ دقيقٌ للغاية، والمؤسسون المتميزون حقًا هم من لديهم القدرة على تحقيق التوازن بينهما؛ فبوسعهم استيعاب البيانات وتحليلها بعمق، ومن ثم استخلاص نتائج موضوعية قد تستدعي تغييرًا جذريًا في المسار أو إعادة توجيه للرؤية بشكل كامل. ومن أبرز الأمثلة على ذلك: مصطفى قنديل، مؤسس سويفل. والمؤسسون الذي يصرّ ونعلى الاستمرار في مسارهم دون مراعاة التغيرات في السوق غالبًا ما يواجهون صعوبات في تحقيق تقدم ملموس.
• التواضع الشديد: لاحظت عمومًا أن المؤسسين الناجحين يتميزون بالتواضع الشديد وعمق الوعي الذاتي، على الرغم من وجود بعض الاستثناءات البارزة على الصعيدين المحلي والعالمي. ومن أبرز الأمثلة على المؤسسين المتواضعين،سامي طوقان وحسام خوري، وهم مؤسسا بوابة مكتوب دوت كوم؛ ورونالدو مشحور مؤسس سوق دوت كوم، والمؤسس المشارك مع سامي طوقان وحسام خوري في بوابة مكتوب دوت كوم. قديكون الغرور وبالاً على المؤسس، فيقوده إلى هلاكه. فإظهار التواضع في عدم الإحاطة بكل شيء، والاعتراف بأن الفضل لله في النجاح والتوفيق، خلق نبيل يغفل عنه الكثير و نمع الأسف.
• المثابرة والعزيمة التي لا تلين: تأسيس مشروع وإنجاحه ليس بالأمر الهيّن.فبعد أن عايشت تجارب مئات المؤسسين الذين عملت معهم على مر السنين، أدركتُ عن كث بمدى مشقة وعناء رحلة بناء شركة. ولا شك أن القدرة على تحمل الصعاب والمضي قدمًا هي عنصر حاسم في ريادة الأعمال. من أبرز الأمثلة على ذلك: عبدالعزيز باسم اللوغاني،الرئيس التنفيذي لشركة فلاورد ومؤسس منصة "طلبات".